عندما كتبت داعياً إلى إنشاء قناة النيل الوثائقية والاهتمام بالأفلام التسجيلية، وصلنى سيل من الرسائل على بريدى الإلكترونى مؤيد لهذه الدعوة وبالطبع لم يحرك التليفزيون ساكناً، فقناة النيل الوثائقية من وجهة نظر مسؤولى التليفزيون لن تجذب إعلانات الموبايل أو مساحيق الغسيل أو المياه الغازية، ولذلك فالمشروع كله ثقيل الظل على صدر ماسبيرو، لكن ما أدهشنى هو كم المبادرات الفردية التى صنعها مصريون من جميع ألوان الطيف العمرى والسياسى، شباباً وكهولاً، يساراً ويميناً، وكان أروع ما وصلنى هو الجهد الذى بذله المهندس المعمارى عمرو رؤوف لتخليد أستاذه ومعشوقه الأول الذى ظلمته الذاكرة المصرية، معمارى وبناء الفقراء الأعظم المهندس حسن فتحى.

أنشأ المهندس عمرو رؤوف موقعاً خاصاً للمهندس حسن فتحى جمع فيه كل ما كتبه وكتب عنه وأحاديثه فى وسائل الإعلام ومشاريعه الثورية التى تستخدم ما أغفلناه تحت أقدامنا وهو الطين فى البناء الرخيص المريح وأيضاً ذى التصميم الجميل، الموقع هو http://www.hassanfathy.webs.com، وهو جهد فردى من تلميذ محب وعاشق لأستاذه، وجد أن الذاكرة المصرية سريعة النسيان سرعان ما يصيبها العطب والضمور والألزهايمر، خاصة بالنسبة لرهبان العلم غير الساعين إلى الأضواء.

يكفى أن تقرأ كلام حسن فتحى فى هذا الموقع عن كوارثنا المعمارية وفلسفتنا المدمرة المخربة لبيئتنا حين يقول: «إن استخدام مواد عالية التقنية مثل قوالب الخرسانة المسلحة والحوائط الزجاجية، جريا وراء التحديث، متجاهلين الأسس العلمية والحضارية التقليدية والبيئية القديمة التى تعاملت مع معطيات البيئة وحلت مشكلاتها أدى بنا إلى كارثة مادية وإنسانية.. فمثلا وجود حائط زجاجى 3 فى 3 معرض للشمس فى يوم حار سوف يسمح بدخول 2000 كيلو كالورى فى الساعة، مما يلزم باستخدام 2 طن من التبريد للحفاظ على إمكانية المعيشة فى هذه الحجرة بشكل صحى وإنسانى يسمح للجسم بالتحمل الحرارى المحيط، وبالتالى بالحياة الطبيعية والمقبولة، إن المعمارى الذى يجعل المبنى فرنا، ثم يعوض ذلك بتبريد جهاز تبريد ضخم يرتكب خطأ وجهلا قاتلا للبيئة وللإنسان».

ترجم هذا المهندس العاشق بجهد فردى الأعمال الكاملة لحسن فتحى ورفضت دور النشر المصرية نشرها، فنشرها على النت فى موقع http://www.4shared.com/document/-EFf4IwT/-.html، ولم يكتف بهذا الجهد الجبار، بل أنشأ قناة على اليوتيوب باسم حسن فتحى تعرض لأفكاره ومشاريعه http://www.youtube.com/user/Hassanfathyo، هو مهندس أحس بأن طلاب هندسة قسم عمارة لا يعرفون عن حسن فتحى إلا أنه الراجل بتاع البناء بالقبة!!، هكذا اختزل هذا العملاق سيد البنائين إلى الراجل بتاع القبة!.

هل وزير الإسكان المغربى قرأ لحسن فتحى، أرجوه أن يقرأ مَن قال: «المعمارى العربى هو الوحيد الذى نجح فى اجتذاب السماء للإنسان، وتقريبها إليه، هنا السماء والأرض فى عناق مستمر لا مثيل له»، فليقرأ العبقرى الذى قال: «إنه يكون أمرًا مضحكًا كما هو فى الأفلام الهزلية، ولكن للأسف هذا هو الحادث اليوم فى جميع البلاد العربية، ليس ببناء شاليهات سويسرية فى المنطقة العربية، وإنما ببناء عمارات أمريكية على الطراز الغربى الحديث الذى يتنافى مع طبيعة البلاد وأشكال الناس وملامحهم التى تصبح عندما نراهم بجوار تلك المبانى كأشكال النخيل والجِمال بجوار الشاليه السويسرى».

كلما تشاءمت تذكر أنه مازال فى مصر ناس جميلة وحلوة وبتحافظ على بصيص الضوء من الشمعة المنورة فى نهاية النفق العتمة.